مقدمة:
يعتبر الدستور القانون الأسمى في الدولة و هو الذي يحوز على أعلى سلطة فيها، و لهذا
وجب احترامه من طرف الجميع.
و لضـمان احـتـرام الـدستور يـستوجب البحـث عن الجـهاز المكـلف بحمايته، و لهذا الغرض
و عـــلى الرغـم من الـنقـاش الجاري حول جـدوى وجـوب جـهـاز سـياسي أو قـضائي يتكـفل
بمراقبة دستورية القوانين فإن التجـربة الدستـورية عرفت ثلاثــة أشكال لـلرقابة الدسـتورية
تعتمد بعض الدول على نضام المجالــس الدسـتوريـة، و بـعـضهــا الآخــر يــعتمد علـى نـظام
المحاكم الدستورية، أما البعض الأخر فيعهد مهمة السهر على مراقبة دستورية القوانين.
اذن:
فيما تتمثل الرقابة على دستورية القوانينَ ؟
و كيف نظر المشرع الجزائري إليها ؟
مقدمة :
يعتبر الدستور القانون الأسمى في الدولة و هو الذي يحوز على أعلى سلطة فيها، و لهذا
وجب احترامه من طرف الجميع.
و لضـمان احـتـرام الـدستور يـستوجب البحـث عن الجـهاز المكـلف بحمايته، و لهذا الغرض
و عـــلى الرغـم من الـنقـاش الجاري حول جـدوى وجـوب جـهـاز سـياسي أو قـضائي يتكـفل
بمراقبة دستورية القوانين فإن التجـربة الدستـورية عرفت ثلاثــة أشكال لـلرقابة الدسـتورية
تعتمد بعض الدول على نضام المجالــس الدسـتوريـة، و بـعـضهــا الآخــر يــعتمد علـى نـظام
المحاكم الدستورية، أما البعض الأخر فيعهد مهمة السهر على مراقبة دستورية القوانين.
اذن:
فيما تتمثل الرقابة على دستورية القوانينَ ؟
و كيف نظر المشرع الجزائري إليها ؟
الاشكالية : فيما تتمثل الرقابة على دستورية القوانينَ ؟
و كيف نظر المشرع الجزائري إليها ؟
المبحث الأول : ماهية الرقابة على دستورية القوانين.
المطلب الأول : تعريف الرقابة
المطلب الثاني : أشكال الرقابة على دستورية القوانين.
الفرع الأول : أسلوب الرقابة بواسطة هيئة سياسية
الفرع الثاني : أسلوب الرقابة بواسطة هيئة قضائية .
المطلب الثالث: نماذج الرقابة القضائية.
الفرع الأول : النموذج الأمريكي للرقابة.
الفرع الثاني : النموذج الأوروبي للرقابة.
المبحث الثاني : المراقبة الدستورية في الجزائر.
المطلب الأول : بروز فكرة الرقابة الدستورية في دستور 1963م .
المطلب الثاني : المراقبة الدستورية في دستور 1976 ( غياب آلية المراقبة ) .
المطلب الثالث : المراقبة الدستورية في دستور 1989 .
( محاولة تكريس دولة القانون )
المطلب الرابع : المراقبة الدستورية في دستور 1996 .
( إعطاء دور أكثر فعالية لمهمة الرقابة )
الخاتمة .
المبحث الأول : ماهية الرقابة على دستورية القوانين.
المطلب الأول : تعريف الرقابة
يقصد بالرقابة على دستورية القوانين منع صدور نصوص قانونية مخالفة للدستور، فهي وسيلة لحماية الدستور من أي خرف أو اعتداء و إلى وضع مبدأ سموه على غيره من النصوص الأخرى موضع التطبيق،(أي تطبيق قاعدة سمو الدستور)، و في هذا النطاق نجد فكرتين متعارضتين بخصوص الرقابة على دستورية القوانين، فأنصار الفكرة الأولى يرفضون فكرة الرقابة ، بحيث يرون بأن الرئيس هو حامي الدستور، وهذا قد يؤدي إلى سهولة صدور قوانين مخالفة للدستور، في حين نجد أصحاب الفكرة المعارضة يقرون بوجوب الرقابة على دستورية القوانين، مهما كان نوعها سياسية أو قضائية.
المطلب الثاني : أشكال الرقابة على دستورية القوانين.
هناك أسلوبين للرقابة على دستورية القوانين- فالشكل الأول يتمثل في الرقابة بواسطة هيئة سياسية ، أما الشكل الثاني فيتمثل في الرقابة بواسطة هيئة قضائية.
الفرع الأول : أسلوب الرقابة بواسطة هيئة سياسية
و هو تولي هيئة سياسية مراقبة دستورية القوانين، و تتكون هذه الهيئة من أعضاء إما أن يعينوا أو ينتخبوا من طرف السلطة التشريعية أو السلطة التنفيذية أو كلاهما – هذا ما نصت عليه المادة 164/1 من الدستور بقولها (( يتكون المجلس الدستوري من 9 أعضاء . 3 أعضاء من بينهم رئيس المجلس يعينهم رئيس الجمهورية، و 2 ينتخبهم المجلس الشعبي الوطني و عضو واحد ينتخبه مجلي الدولة .)) من الفقرة الأولى.إلا أن هذا النوع من الرقابة يأخذ لعدة أسباب.
الرقابة السياسية على العموم ليست أسلوبا ناجحا و فعالا، هذه النقائص :
- إن الهيئة السياسة قد تنحاز إلى السلطة التي ساهمت في تكوينها.
- إن هذه الرقابة تكون وسيلة رقابية فقط، أي أنها تحرك قبل إصدار القوانين و توكل إلى أشخاص معينين، و لا يتم هذا التحرك إلا إذا كانت لهم مصلحة في ذلك.
- عدم توفر الحياد و الاستقلال الكافي من طرف هذه الهيئة لأداء وظيفتها ( لتكون الأعضاء تابعين للجهة التي عينتهم).
- نقص الكفاءة القانونية لأعضاء الهيئة في أداء مهمة الرقابة و التي يستحسن أن تكون ذات طابع قانوني.
- إعطاء تفسيرات سياسية – فالقوانين لا تحدد وفق مطابقتها للدستور لكن تحدد وفق الاختيارات السياسية لأعضاء الهيئة السياسة.
الفرع الثاني : أسلوب الرقابة بواسطة هيئة قضائية .
بعد الانتقادات الموجهة إلى الرقابة السياسية ، عهد إلى أسلوب الرقابة القضائية مهمة ممارسة الرقابة على دستورية القوانين، حيث توكل المهمة إلى هيئة قضائية مختصة، و في هذا النوع من الرقابة يوجد نموذجين من الرقابة / الأمريكي الذي يُوكل هذه المهمة إلى المحاكم القضائية العادية، و النموذج الثاني الأوروبي الذي يقوم على إحداث محكمة خاصة تدعى المحكمة الدستورية
أ/ محاسنها :
- إن الهيئة القضائية تضمن معالجة دستورية القوانين بروح قانونية خالصة، فيبحث القاضي بحكم طبيعته وظيفته في مدى مطابقة القانون للدستور.
- أنها تخضع لإجراءات قضائية تمتاز بالعدل مثلا ( الحياد ، المواجهة بين الخصوم، تعديل الأحكام).
- إن نزاهة القضاة و استقلالهم عن السلطتين التنفيذية و التشريعية تمكنهم من أداء مهمتهم على أحسن وجه.
ب/ مساوئها :
- إنها تعتبر تدخلا من السلطة التشريعية و بالتالي تشكل خرقا لمبدأ الفصل بين السلطات.
- إن الرقابة بواسطة هيئة قضائية تجعل من القاضي أن يمتلك سلطة سياسية .
- إن الرقابة على دستورية القوانين تعتبر اعتداءا على البرلمان الذي يعبر عن إرادة الأمة، و بالتالي فإن الرقابة القضائية تخل بمبدأ سيادة الأمة و مهما يكن الأمر فقد أأثبتت التجربة أن الرقابة القضائية أنجح من الرقابة السياسية.
المطلب الثالث: نماذج الرقابة القضائية.
الفرع الأول : النموذج الأمريكي للرقابة.
يتبع النموذج الأمريكي ثلاثة أساليب عند مراقبة دستورية القوانين و هذه الأنواع تعرف بأسلوب الرقابة عن طريق الامتناع.
أ- أسلوب الرقابة عن طريق الدفع:
- يتم ذلك بناء على طلب الخصوم في دعوى مرفوعة أمام المحكمة، لا يترتب على الحكم بعدم دستورية القانون إلغاءه بالنسبة للكثافة، و إنما يقتصر أثر الحكم على استبعاد تطبيقه في الدعوى المنظورة أمامه عندما تصح أن القانون مخالف للدستور.
ب- أسلوب الرقابة عن طريق الأمر القاضي:
و هو طلب إيقاف تنفيذ القانون من قبل الفرد قبل تطبيقه أو تنفيذه، على أساس أنه غير دستوري، فإذا تضح المحكمة أنه غير دستوري فتصدر أمرا قضائيا للموظف بالامتناع عن تنفيذ موضوع الطعن- و يتعين عليه تنفيذ الحكم، و المحكمة الاتحادية هي المختصة بتنفيذ الطعن، كما يجوز الطعن بالأحكام الصادرة عنها، أمام المحكمة الاتحادية العليا.
جـ- أسلوب الرقابة عن طريق الحكم التقريري:
حيث يلجأ الفرد طلبا منها إصدار حكما يقرر ما إذا كان القانون المراد تطبيقه عليه دستوري أم غير دستوري و يترتب عن ذلك توقف الموظف المختص بتطبيق القانون إلى أن تصدر المحكمة حكمها بشأن دستورية القانون- و قد بدأ العمل بهذا الأسلوب إبتداءا من عام 1918.
الفرع الثاني : النموذج الأوروبي للرقابة.
الرقابة عن طريق الدعوى الأصلية ( رقابة الإلغاء ) .
يستند هذا النظام على إلغاء القانون، إذا تبين أنه مخالف للدستور و قد يتم ذلك فبل صدور القانون أو بعد إصداره، إذا تم التصريح بعدم مطابقة القانون بالدستور، و قبل إصداره تعين عدم إصداره أما إذا صرحت الهيئة المكلفة بالمراقبة الدستورية بمطابقة القانون للدستور وجب إصداره.
و هذا النوع من الرقابة السابقة عن طريق الدعوى الأصلية يمارسها رئيس الدولة، و في هذا النظام يحاد أمر الفصل في المطابقة إلى هيئة خاصة ( المحكمة الدستورية ) أو أمام المحاكم كما يجوز للأفراد الطعن في دستورية القوانين عن طريق رفع دعوى أمام محكمة خاصة، فيكون وفقا لاختصاصها وفقا للدستور، الحكم بإلغاء القانون إذا تبين لها أنه مخالف للدستور، هذا إذا أقره الدستور، أما إذا لم يقره الدستور فهذا يعني أن الرقابة تتم بوسيلة أخرى.
المبحث الثاني : المراقبة الدستورية في الجزائر.
المطلب الأول : بروز فكرة الرقابة الدستورية في دستور 1963م .
ظـهرت فكرة الرقابة الدستورية مع صدور أول دستور للجمهورية الجزائرية فقد نصت المادة 63 من دستور 1963 على إنشاء مجلس دستوري يتكون من 07 أعضاء هم :
- الرئيس الأول للمحكمة العليا.
- رئيس الغرفة المدنية و الإدارية للمحكمة العليا.
- ثلاث نواب أعضاء في المجلس الوطني يختارهم المجلس الوطني.
- عضو يعينه رئيس الجمهورية.
و يقوم أعضاء المجلس بانتخاب رئيسهم من بين الأعضاء.
و حددت المادة 64 من الدستور مهمة المجلس الدستوري في القيام بمراقبة دستورية القوانين و الأوامر التشريعية بعد إخطاره من طرف رئيس الجمهورية أو من رئيس المجلس الوطني.
المطلب الثاني : المراقبة الدستورية في دستور 1976 ( غياب آلية المراقبة ) .
أما في دستور 1976 فإنه لم يأخذ بمبدأ المراقبة الدستورية للقوانين فمهمة ضمان احترام الدستور أعطــــت لرئيس الجمهورية بموجـــــب نص الـفـقـرة الثالثــة من الـمادة 111 منه ( و هو حامي الدستور) و لكن لم يبين الدستور آليات الحماية التي يعمل بها رئيس الجمهورية ليضمن و يتكفل باحترام الدستور.
و بالرجوع لنص المادة 155 من دستور 1976 نلاحظ أن رئيس الجمهورية يمارس حق الاعتراض على القوانين التي يصوت عليها المجلس الوطني، فله نتيجة لذلك أن يطلب قراءة ثانية لنص القانون خلال أجل 30 يوما من تاريخ استلامه من المجلس الشعبي الوطني.
و يمكن عل ضوء هذه المادة أن يمارس رئيس الجمهورية مهمة احترام الدستور فله أن يعرض النص لقراءة ثانية، إذا تبين أن النص مخالف للدستور و دون أن يصرح بذلك صراحة فإن المجلس الشعبي الوطني قد يفهم من إحالة النص إليه رغبة الرئيس في إعادة صياغة النص وفق مقتضيات الدستور، و له بالطبع فإن إحالة النص للقراءة الثانية ليست كلها مرتبطة بمخالفة الدستور، و لكن فقط أمكن لنا استنتاج ذلك أي بدون وجود نص صريح.
* إن رئيس الجمهورية يملك آلية عرض النص للقراءة الثانية ليتكفل بضمان احترام الدستور.
و لعل عدم إقرار فكرة الرقابة الدستورية من طرف دستور 1976 يرجع لطبيعة الدستور ذاته، ذلك أن إجراءات تعديل الدستور مرنة، فبموجب المادتين 191،192 يعرض مشروع تعديل الدستور من طرف رئيس الجمهورية على المجلس الشعبي الوطني للموافقة عليه بأغلبية الثلثين، و بسبب مرونة إجراءات التعديل فإن النص الدستوري يحتل نفس مرتبة نص القانون التشريعي و بالتالي لا يتحقق التفوق للدستور، هذا من جهة ، و من جهة أخرى، و بالرجوع لنص الفقرة الثانية من المادة 127 من دستور 1976، فإن المجلس الشعبي الوطني ( يستوحي مبادئ الميثاق الوطني و التي يجعلها حيز التطبيق في عمله التشريعي)، و هذه إشارة صريحة لخضوع المشرع للميثاق الوطني و ليس للدستور و بالتالي فإن التفوق هنا يتحقق للميثاق الوطني و ليس للدستور، و قد كرس ذلك المادة 06 من الدستور التي تنص على ( الميثاق الوطني هو المصدر الأساسي لسياسة الأمة و قوانين الدولة) .
و لكن لما كانت هذه الأحكام غير كفيلة بضمان احترام الدستور لأنها لم تضع آليات عملية لضمان احترام الدستور و بسبب التجاوزات على الدستور و التي لوحظت بمناسبة الموافقة على بعض القوانين من طرف المجلس الشعبي الوطني طالبت بعض الأصوات داخل هيئات حزب جبهة التحرير الوطني الحزب الواحد الحاكم آنذاك بإحداث هيئة تكلف بمراقبة دستورية القوانين و قد ترجم هذا المطلب في اللائحة السياسية التي صادق عليها المؤتمر الخامس لحزب جبهة التحرير الوطني المنعقد من 12 ديسمبر عام 1983، و قد نصت اللائحة : ( يدعوا المؤتمر إلى إنشاء هيئة عليا تحت إشراف الأمين العام للحزب رئيس الجمهورية للفصل في دستورية القوانين لتضمن احترام الدستور و سموه).
المطلب الثالث : المراقبة الدستورية في دستور 1989 .
( محاولة تكريس دولة القانون )
مع دستور 1989 تبنى المؤسس الدستوري صراحة فكرة الرقابة الدستورية و نص على إحداث مجلس دستوري في نص المادة 153، و يتكون المجلس الدستوري من 07 أعضاء:
- عضوان يعينهما رئيس الجمهورية.
- عضوان ينتخبهما المجلس الشعبي من بين أعضاءه.
- عضوان ينتخبان من طرف المحكمة العليا من بين أعضاءها.
- رئيس المجلس الدستوري يعينه رئيس الجمهورية لفترة واحدة مدتها 06 سنوات.
و قد أعطيت بهذا المجلس عدة مهام أهمها تلك المرتبطة بوظيفة السهر على مراقبة دستورية القوانين و التنظيمات.
و يتم إخطار المجلس من طرف رئيس الجمهورية أو رئيس المجلس الشعبي الوطني، سواء قبل إصدار القانون أي ( رقابة سابقة ) أو بعد صدور القانون ( رقابة لاحقة ).
و في حالة ما إذا تم إخطاره قبل صدور القانون يدلي برأي غير ملزم أما إذا تم إخطاره بعد صدور القانون فإنه يصدر قرارا يترتب عنه إلغاء الأحكام المخالفة للدستور من هذا النص إبتداءا من تاريخ قرار المجلس ( المادة 159 من الدستور ) .
و للإشارة فإن المجلس الدستوري منذ تأسيسه أصدر عدة اجتهادات سواء آراء أو قرارات هامة لها الأثر الهام في إبراز المبادئ المرتبطة سواء بالحريات أو بمبدأ الفصل بين السلطات.
المطلب الرابع : المراقبة الدستورية في دستور 1996 .
( إعطاء دور أكثر فعالية لمهمة الرقابة )
أحدثت التعديلات التي طرأت على دستور 1989 تغييرا في تشكيلة و مهام المجلس الدستوري و قد كانت التعديلات تهدف إلى تحقيق توازن أحسن لسير المؤسسات، بإحداث نظام الثنائية في تشكيل البرلمان بإنشاء مجلس الأمة و نظام الازدواج القضائي وإنشاء مجلس للدولة كمؤسسة قضائية، بالإضافة للأخذ بمفهوم القوانين العضوية لأول مرة في التاريخ الدستوري للجزائر.
و قد انعكس هذا التوسيع في تشكيلة المجلس الدستوري و في جهة الإخطار و كذا في الصلاحيات التي كلف بها المجلس الدستوري.
أولا : من حيث تشكيلة المجلس الدستوري.
تنص المادة 164 من دستور 1996 أن يتكون المجلس الدستوري من تسعة أعضاء :
- ثلاثة أعضاء من بينهم رئيس المجلس يعينهم رئيس الجمهورية.
- اثنان ينتخبهما المجلس الشعبي الوطني من بين أعضائه.
- اثنان ينتخبهما مجلس الأمة من بين أعضائه.
- عضو واحد تنتخبه المحكمة العليا من بين أعضائها.
- عضو واحد ينتخبه مجلس الدولة من بين أعضائه.
- يعين رئيس المجلس الدستوري من طرف رئيس الجمهورية لفترة واحدة مدتها ست سنوات.
و يلاحظ على هذه التشكيلة أن جميع السلطات ممثلة فيه بصفة غير متوازنة، فالسلطة التنفيذية يمثلها 03 أعضاء، بينما يمثل السلطة التشريعية أربعة أعضاء، أما السلطة القضائية فيمثلها عضوان، و يترجم ذلك المكانة التي تحتلها السلطة القضائية في النظام السياسي باعتبارها أقل السلطات تمثيلا في المجلس.
و من جهة أخرى فإن كل السلطات تستقل بنفسها في كيفية تعيين و اختيار ممثليها في المجلس الدستوري فلا يوجد تدخل لأية سلطة على الأخرى عند اختيار ممثليها في هذه الهيئة.
ثانيا : من حيث جهة الإخطار.
أوكلت المادة 166 من الدستور مهمة إخطار المجلس الدستوري لكل من :
- رئيس الجمهورية.
- رئيس المجلس الشعبي الوطني.
- رئيس مجلس الأمة.
و للإشارة فإنه رغم توسيع الإخطار مجلس الأمة بعد التعديل الدستوري فإنه يبقى عاجزا عن تحقيق التوازن فهو لم يوسع الإخطار للسلطة القضائية لتحقيق التوازن بين المؤسسات من جهة كما لا يوسع الإخطار لمجموعة من النواب في البرلمان من أجل تحقيق التوازن بين الأغلبية و الأقلية داخل البرلمان من جهة ثانية.
إن هذا الإغفال من شأنه أن يترك بعض القوانين باستثناء القوانين العضوية و النظام الداخلي تفلت من الرقابة الدستورية إذا ما تخلى أصحاب سلطة الإخطار عن استعمال سلطتهم ، و قد يؤدي ذلك إلى صدور قوانين مخالفة للدستور، و ينهدم بذلك بناء دولة القانون التي تقوم على مبدأ سمو الدستور.
ثالثا : من حيث موضوع الإخطار.
حددت المادة 163 من الدستور المهمة الأساسية للمجلس الدستوري و هي "السهر على احترام الدستور".
و في هذا السياق فإنه يقوم على بناء المادة 165 من الدستور بالفصل في دستورية المعاهدات و القوانين و التنظيمات.
و في هذا الإطار يمارس المجلس الدستوري نوعين من الرقابة إحداهما إجبارية و الأخرى اختيارية.
أ- الرقابة الإجبارية للمجلس الدستوري :
و تتم هذه الرقابة بموجب الفقرتين الثالثة و الرابعة من المادة 165 و بموجب الفقرة الثانية من المادة 97 و يتعلق الأمر إذن بــ:
* بالقوانين العضوية :
فالمجلس الدستوري يبدي رأيه وجوبا في دستورية القوانين العضوية بعد أن يصادق عليها البرلمان حسب الفقرة الثانية من المادة 165 و الفقرة الأخيرة للمادة 123.
و قد حددت المادة 123 من الدستور مجال القوانين العضوية و هي القوانين المتعلقة بــ:
- تنظيم السلطات العمومية و عملها.
- نظام الانتخابات.
- القانون المتعلق بالإعلام.
- القانون الأساسي للقضاء و التنظيم القضائي.
- القانون المتعلق بقوانين المالية.
- القانون المتعلق بالأمن الوطني.
و يلاحظ أن أغلب هذه المجالات تتعلق بتنظيم السلطة و مرتبطة بالدستور و لهذا السبب ينبغي أن تكون مطابقة له.
* الأنظمة الداخلية لغرفتي البرلمان : يفصل المجلس الدستوري بموجب الفقرة الثالثة من المادة 165 في مطابقة النظام الداخلي لكل من غرفتي البرلمان للدستور و يرجع ذلك إلى كون النظام الداخلي يتعلق بتنظيم السلطات التشريعية و الذي لا يجب أن يكون مخالفا للدستور و إلا وقع خلل في سير المؤسسات الدستورية.
* المعاهدات الدولية :
بموجب المادة 97 من الدستور يوقع رئيس الجمهورية اتفاقيات الهدنة و معاهدات السلم، و هذا النوع من المعاهدات لا تعرض على البرلمان ليوافق عليها إلا بعد أن يتلقى رأيا من المجلس الدستوري حولها، و هذا يعني أن إخطار المجلس الدستوري بالنسبة لهذا النوع من المعاهدات إجباري قبل عرضها على البرلمان و بعد التوقيع عليها، و حرص المؤسس الدستوري على عرض هذه المعاهدات على المجلس الدستوري ناجم عن الرغبة في حماية الدستور لأن هذا النوع من المعاهدات مرتبطة و متعلقة باستقلال الدولة و سيادتها، و قد أكدت المادة 08 من الدستور ( أن الشعب يختار لنفسه مؤسسات غايتها المحافظة على الاستقلال الوطني و دعمه)).
كما نصت المادة 13 منه على أنه (( لا يجوز البتة التنازل أو التخلي عن أي جزء من التراب الوطني)).وإذا ارتأى المجلس الدستوري عدم دستورية هذه الاتفاقات و المعاهدات لا يتم التصديق عليها، ذلك ما أكدته المادة 168 من الدستور.
و للإشارة فإن إخطار المجلس الدستوري بالنسبة لهذه المجالات الثلاث (( القوانين العضوية- الأنظمة الداخلية لغرفتي البرلمان- اتفاقات الهدنة و معاهدات السلم))، يتم من طرف رئيس الجمهورية، و هذا بتصريح نص المادة 165 بالنسبة للقوانين العضوية و النظام الداخلي
(( بيدي المجلس الدستوري بعد أن يخطره رئيس الجمهورية رأيه وجوبا في دستورية القوانين العضوية بعد أن يصادق عليها البرلمان كما يفصل المجلس الدستوري في مطابقة النظام الداخلي لكل من غرفتي البرلمان للدستور حسب الإجراءات المذكورة في الفقرة السابقة أي بعد إخطاره من طرف رئيس الجمهورية، و نص المادة 97 بالنسبة لاتفاقيات الهدنة و معاهدات السلم يوقع رئيس الجمهورية اتفاقيات الهدنة و معاهدات السلم و يتلقى رأي المجلس الدستوري في الاتفاقيات المتعلقة بهما ..)).
ب-الرقابة الاختيارية للمجلس الدستوري :
و تتم بموجب المادة 165 من الدستور
يمكن للمجلس الدستوري بعد إخطاره من طرف رئيس الجمهورية أو رئيس المجلس الشعبي الوطني أو رئيس مجلس الأمة فحص مطابقتها للدستور، فإذا وقع الإخطار فبل صدورها يصدر المجلس الدستوري رأيا و ذلك فبل أن تصبح واجبة التنفيذ، أما إذا وقع الإخطار بعد صدورها يصدر المجلس الدستوري قرارا ملزما يترتب عنه، و حسب نص المادة 169 من الدستور فقدان هذا النص أثره من يوم قرار المجلس الدستوري أي إلغاء النص المخالف للدستور.
كما تشمل الرقابة التنظيمات "النصوص" التي يصدرها رئيس الجمهورية بموجب سلطته التنظيمية المستقلة التي يستمدها من المادة 125 من الدستور (( يمارس رئيس الجمهورية السلطة التنظيمية في المسائل غير المخصصة للقانون))، و رغم نص هذه المادة، فإن المجلس الدستوري منذ إنشائه بموجب دستور 1989 لم يمارس اختصاص في هذا المجال بسبب عزوف رئيس المجلس الشعبي الوطني ثم رئيس مجلس الأمة عم ممارسة صلاحيتها في الإخطار
إن الدستور لم يشر إلى امتداد مجال رقابة المجلس الدستوري للقوانين الاستثنائية أو الأوامر التي يصدرها رئيس الجمهورية بناء على المادة 124 من الدستور في حالة شعور المجلس الشعبي الوطني أو بين دورتي البرلمان، أو في الحالة الاستثنائية عندما تكون البلاد مهددة بخطر داهم يوشك أن يصيب مؤسساتها الدستورية أو استقلالها أو سلامة ترابها.
إن القوانين الإستفتائية هي تلك القوانين التي تعرض على الشعب ليدلي برأيه حولها بواسطة الاستفتاء، ذلك لأن المجلس الدستوري حسب اجتهاد مقارن لا يملك الفصل في صحة قانون يعد تعبيرا مباشرا عن السيادة الوطنية، فالشعب عندما يعبر عن إرادته فإن تلك الإرادة لا تخضع للرقابة و هي غير ملزمة باحترام الدستور.
إن الأوامر المنصوص عليها في المادة 124 على الرغم من عدم وجود نص صريح يلزم خضوعها للرقابة إلا أن قراءة 124/2 في سياق كل النص الدستوري يوحي بإمكانية خضوعها للرقابة الدستورية و ذلك بعد أن يوافق البرلمان عليها في أول دورة له بعد إصدارها من طرف رئيس الجمهورية، و في حالة موافقته عليها تصبح قانونا، و هذا يمكن لجهة الإخطار أن تمارس صلاحيتها سواء قبل إصدارها أو بعد صدورها، و هذا طبعا بعد أن يوافق عليها البرلمان، أما في حالة عدم الموافقة فإن تلك الأوامر تعد لاغية و لا مجال في هذه الحالة لإخطار المجلس الدستوري و يفهم من نص المادة 168 من الدستور أن هذا النوع الأخير من المعاهدات لا يخضع للرقابة الدستورية لأنها لا تخضع من جهتها لإجراء التصديق و بالتالي فالمعاهدات التي تخضع لرقابة المجلس الدستوري هي تلك التي تخضع لإجراء التصديق، سواء تلك المنصوص عليها في المادة 131 من الدستور أو غيرها من المعاهدات.
الخــــــــــــــاتمـة :
إن الأخذ بمبدأ الرقابة على دستورية القوانين من شأنه حفظ الدستور و حمايته و إقرار القاعدة "سمو الدستور" و إبعاد لآثار الحكم الدكتاتوري و فرض الشعب لإرادته، و بما أن الدستور هو قانون فإن مهمة رقابته يجب أن توكل إلى هيئة قضائية لأنها أثبتت نجاحها.
و مع اعتماد الجزائر على النظام المختلط فإنها تسعى إلى رقابة أحسن، و على الرغم من نقائص المجلس الدستوري يبقى الهيئة المكلفة بالسهر على حماية الدستور.
قائمــــة المراجع المعتمدة :
1- الوجيز في القانون الدستوري للدكتور حسني بوديار.
2-الوجيز في القانون الدستوري و المؤسسات السياسية المقارنة للدكتور الأمين شريط.
3- الواضح في شرح القانون الدستوري للدكتور أوصديق فوزي.
4- الوجيز في القانون الدستوري و المؤسسات السياسية للدكتور بوكرا ادريس .