المحاضرة السابعة :
نشأة الإدارة الفرنسية في الجزائر
إن أو ل ما قام به قائد الحملة الفرنسية الكونت ذي بورمون هو حل الجيش منظمة الجيش الانكشاري التي كان عدد أعضائها العزاب في مدينة الجزائر 3500 و المتزوجين حوالي الألف ، و أمر بترحيل الانكشاريين غير المتزوجين إلى آسيا الصغرى بعد تجريدهم من الأسلحة ودفع لهم بعض الرواتب .
أما الداي فقد اختار المنفى وصل إلى مدينة نابولي يوم 31 جويلية بعد أن كان قد غادر الجزائر يوم 10من نفس الشهر على ظهر السفينة الفرنسية "جان دارك" برفقة 110 أشخاص من بينهم الآغا إبراهيم قائد الجيش المنهزم ووزير المالية أو الخزناجي و 57 امرأة من الحريم و الجواري .
وفي اليوم التالي من توقيع اتفاق الاستسلام أنشأ د بورمون"لجنة الحكومة" بغرض التحكم أكثر في الوضع بعد انتشار الفوضى، و تتلخص مهام هذه اللجنة في النظر في الحاجيات التي يمكن توفرها ، ومعرفة إمكانيات البلاد و النظم التي يجب تعديلها أو إلغائها وكذا ضرورة الفائدة من استخدام أعيان جزائريين من مختلف الطبقات الأهلية لملأ الفراغ الذي تركته الإدارة العثمانية بعد هروب و ترحيل وتهجير الإطارات و الموظفين الذين مارسوا الوظائف و المسؤوليات خلال الفترة السابقة للاحتلال ،ومن تم ضمان السير الحسن لهذه الهيئة الجديدة . و يتضح من تركيب اللجنة التي كان يرأسها و كيل التموين أنها هيئة فرنسية تجهل الشؤون الأهلية و حاجات الجزائريين و كانت مهمتها تأسيس الإدارة الفرنسية في الجزائر على إنقاض الإدارة العثمانية و كان "للجنة الحكومية" هدفان أساسيان هما: -جمع المعلومات و التحري عن الإدارة العثمانية السابقة للاستفادة منها، و توفير السكن و الراحة و المستشفيات للجيش الفرنسي الذي كللت مهمته بالنجاح .
وأما بالنسبة للنقطة الأولى فإن اللجنة قد فشلت في تحقيق أي شيء لأن سجلات ووثائق الإدارة السابقة قد اختفت نتيجة للفوضى التي عمت البلاد عند احتلال المدينة وخصوصا القصبة التي تعرضت للنهب و التلف من طرف الآثمين ، أما المعلومات التي توصلت إليها حول المداخيل و الأملاك فقد كانت من أفواه الناس فقط وخصوصا الفئة التي كانت قريبة بعض الشيء من دار السلطان ولو أن هذه النقطة تبقى مثار بحث لأنه لا يعقل أن تكون الدولة وقتها لا تملك مراكز أرشيفية و نحوها لما عرفته من صيت وقوة وإبرام للكثير من المعاهدات مع دول العالم ، لكن فرنسا وقتها ادعت أنها لا تعرف الشيء الكثير عما وجدته في الجزائر العاصمة ولعل ذلك لإبعاد نظر الآخرين عن المستعمرة البكر التي كانت تزخر بما لا يوجد في بلاد أوروبا كلها ، خصوصا أنه ظهرت في السنين الأخيرة دراسات فرنسية مفصلة عن ما وجدته فرنسا من أموال و نحوها في القصبة بعد أن سلمت لها المفاتيح . أما بخصوص النقطة الثانية فإن اللجنة الحكومية أنشأت "هيئة مركزية" تظم ممثلين عن المنظمات السبع الهامة في المدينة، كان معظمهم من حضر مدينة الجزائر منهم : الحاج علي بن أمين السكة ، و ابن المرابط ، وإبراهيم بن المولى محمد ، ومحمد بن الحاج عمر ، وبعض اليهود منهم: بن بكري ، وكان رئيس الهيئة المركزية هو أحمد بوضربة الذي أظهر حماسا كبيرا للوجود الفرنسي في الجزائر على الأقل في أول الأمر وخاصة أن هذا الأخير كان متزوجا مع امرأة فرنسية، ويحسن اللغة الفرنسية وكانت له مصالح كثيرة و قرابة مع الفرنسيين قبيل الاحتلال ، و ولذلك كان من الذين فاوضوا بورمون على تسليم المدينة ليلة الخامس من جويلية، بالإضافة إلى ذلك فقد كان ضمن اللجنة فرنسي يدعى "بروغيير" الذي كان يمثل الملك الفرنسي شارل العاشر لذي الهيئة المذكورة.
هذا من جهة و من جهة أخرى فقد كانت الهيئة تظم أعضاء آخرين من الإدارة الجزائرية العثمانية كما كانت تظم مفتي الحنفية و المالكية و قاضي الحنفية و المالكية وبإيجاز فإن الهيئة كانت عبارة"عن مجلس بلدي" يلعب فيه بوضربة دور شيخ المدينة على عهد العثمانيين ، وكانت مهمة الهيئة المركزية أو المجلس البلدي تتمثل في العمل على إنشاء إدارة محلية و توفير الحاجات المستعجلة للجيش و معرفة إمكانيات و طاقات البلاد عامة ومدينة الجزائر خاصة ، وهي بمثابة همزة وصل بين الحكومة القديمة التركية و الجديدة الفرنسية ، و إذا كان هناك تداخل بين مهمة الهيئتين فإنهما يسيران نحو هدف واحد وهو خدمة السيد الجديد أي فرنسا ، و توفير الراحة للجيش ووضع إمكانيات البلاد بين يديه ،و لعل الفرنسيين قد لجئوا إلى خلق هذه الهيئة لترضية الجزائريين في أول الأمر و لاسيما الفئة التي تعاونت معهم و كانت تظن أن إنهاء الإدارة العثمانية يعني انتقال الحكم إليها و لكن السلطة الحقيقية فقد كانت في يد اللجنة الحكومية .
وقد حاولت لجنة الحكومة أن توفر الغذاء للمدينة فنظمت الجمارك و المكوس غير أن الموظفين الذين عهدت إليهم بذلك كانوا يجهلون مهمتهم لا لشيء سوى لأنهم كانوا بعيدين كل البعد عن عمق المجتمع وقتئذ ، فكانت النتيجة ارتفاعا فاحشا في الأسعار و استغلالا كبيرا للضعفاء حتى أصبحت المدينة تفتقر إلى المواد الأولية كالملح و الخبز والخضر و نحوهم من مواد الغذاء الضرورية .
وقد سعى الفرنسيون منذ الوهلة الأولى إلى تنظيم الأمن و تنصيب شرطة المدينة ووضعوها تحت شخص عرف بمغامراته البوليسية والجاسوسية وهو" دوبينيو" وكان يعمل تحت مسئوليته مفتش للشرطة ومحافظون وفرقة عربية من 20 شخصا ممن تثق فيهم ، ولكن السلطة الفرنسية استبدلت الشرطة العربية بالشرطة الفرنسية بدعوى أن الجزائريين لم يحترموا عمل الشرطة العربية ، و بذلك الإجراء قد جعلوا السكان يحترمون الوضع الجديد عن طريق العصا كما يدّعي الفرنسيون .
و قد أظهرت الطائفة اليهودية في الجزائر ميلا واضحا إلى الفرنسيين كما أظهر لهم هؤلاء بدورهم عطفا أوضحا ، و أصبحوا عندهم من دوي الحضوة و الجاه ، ومنذ اليوم التالي للاحتلال عينت السلطات الفرنسية اليهودي سرور رئيسا للمترجمين غير الفرنسيين ، وقد أصبح بن بكري صاحب امتيازات كبيرة هو وطائفته حتى أن الجيش الفرنسي كان لا يفعل شيئا إلا باستشارته، و هذا الحيف هو الذي جعل حضر المدينة يتوجسون من الفرنسيين بعد أن رحبوا بهم،خاصة و أن بكري كان يطمح إلى أن يكون رئيس الطائفة اليهودية في العهد الفرنسي ، كما كان زمن الإدارة العثمانية .ولذلك لا غرابة أن نجده اتصل أيضا بمحافظي الشرطة و طلب منهم تسيلم كل القضايا الخاصة باليهود إليه، و قد فعل ذلك دون علم الهيئة المركزية "المجس البلدي" ورئيس الشرطة .
و يعزي الفرنسيون سخط الجزائريين عليهم إلى تأثير اليهود الذي أصبح واضحا بعد الاحتلال ،و لكن هذا أمر مبالغ فيه إلى حد كبير لأن ثروة الجزائريين على الفرنسيين كانت ترجع أساسا إلى مبدأ الاحتلال و اغتصاب الأرض و الإستلاء علي الأملاك و هتك الحرمات ، ولم يكن النفوذ اليهودي سوى نتيجة من النتائج الكثيرة التي تترتب على هذا الاحتلال . و خلال السنوات الأولى للاحتلال لم يكن هناك نموذج إداري اتبعه الفرنسيون و قد دام الحال كذلك إلى مجيء اللجنة الإفريقية إلى الجزائر و ترحالها في مناطق مختلفة من الوطن و صدورها لقرار جويلية 1834 الذي ألحق الجزائر بفرنسا الأم و نظم إدارتها على نحو شبيه بما كان يجري في فرنسا ، من بين القادة الذين تولوا الحكم خلال السنوات الأربع من بداية الاحتلال بعد د بورمون و كلوزيل و برتزين و الدوق دي روفيجو و فوار ول كلهم كانوا مهتمين بمشاريع الاستعمار و محاربة الثوار و المجاهدين أكثر مما كانوا مهتمين بالنظام الإداري وتنظيم المستعمرة ، وبالإضافة إلى ذلك فإن الحكومة الفرنسية نفسها كانت إلى سنة 1834 لم تتخذ موقفا واضحا من قضية الجزائر، حتى أطلق المؤرخون على الفترة مرحلة التردد، ولكن بعد زيارة اللجنة الإفريقية في هذا التاريخ و بتوصية منها قررت الاحتفاظ بالجزائر و إلحاقها بفرنسا و إعطائها إدارة قادرة في منصب الحاكم العام الجديد الذي كان مسؤولا لدى الحكومة عن كل الأمور العسكرية و المدنية في الجزائر ، وهكذا كانت الفترة الانتقالية من عهد الدولة الجزائرية العثمانية إلى العهد الاستعماري الفرنسي الذي أنتهج في حكمه للجزائر النظام العسكري لمدة طويلة ،و حتى بداية مطلع القرن العشرين تم تعويض ذلك بالنظام المدني في المناطق الشمالية في حين ظلت المناطق الجنوبية تحت الحكم العسكري حتى حصول الجزائر على استقلالها في جويلية 1962 .
المصادر و المراجع :
1/ سعد الله ، الحركة الوطنية الجزائرية ، ج1و2 .
2/ سعد الله ، أبحاث و آراء في تاريخ الجزائر ، ج1 .
3/مجاهد مسعود ، تاريخ الجزائر ، ج 1 .
Merlot ;L organisation administrative de L, algerie 4/.
5/ Michel cornation ;les regroupements de la décolonisation en algerie