مصطلح " الواقعية " ( Realism) من اوسع المصطلحات شيوعا ً . وعلى الرغم من انه يرتبط بالأدب والفن بشكل خاص ، فإنه يتخطاهما ليشمل مختلف معطيات الفكر الانساني ، وتبعا ً لذلك تشعبت عنه مصطلحات عديدة مثل " الواقعية السحرية " و" الواقعية الجديدة " و " الواقعية الاجتماعية " و" الواقعية الجمالية " و" الواقعية النقدية " و" الواقعية الاشتراكية " و" الواقعية العلمية " وغير ذلك . بدأت الواقعية كحركة ادبية خلال القرن التاسع عشر ، وقد ظهرت بعد الحرب الاهلية وحلت محل الرومانتيكية ،وركزت على واقع الحياة اليومية ، متجاوزة ً يذلك اسلوب الأدب الرومانتيكي القائم على الخيال . لقد جاءت الواقعية من فرنسا اصلا ً حيث كان كتـّاب امثال بلزاك وفلوبير قد بدأوا ممارسة الكتابة . ومع ان هذه الحركة كانت نشطة لبعض الوقت ، فإن الواقعية الامريكية استمدت جذورها من امريكا القرن التاسع عشر بحربها الأهلية وتوسع حدودها وطبيعة الحياة المدينية فيها . وشكـّل العلم مصدر قوة للواقعية ، فموضوعية العلم الهمت الكثير من الكتّاب لأن يكتبوا بهذه الطريقة . وثمة مصدر قوة آخر في تطور الواقعية يتمثل في حقيقة ان الجمهور بدأ يضجر من الرومانتيكية ، وصار كثير من الناس يعتقدون انها اصبحت خارج العصر . وحذا " الطبيعيون " حذو " الواقعيين " ، مع ان من الصعب تحديد الفارق بين الاثنين ويمكن استخدام احد المصطلحين بدل الآخر . ان الفارق يكمن في كون " الواقعية " تهتم بشكل مباشر بما تستوعبه الحواس ، في حين ان " الطبيعية " ( (Naturalism تحاول ان تطبق النظريات العلمية في الفن . لقد تتبع الطبيعيون تأثيرات الوراثة والبيئة على الناس وسعى الكتـّاب الطبيعيون الى استخدام معطيات نظرية جارلس دارون في رواياتهم . وقد اعتقدوا ان دورة حياة كل فرد تتقرر بمزيج من سمات الصفات الوراثية والمحيط التاريخي والاجتماعي الذي ولد فيه . وهكذا فإن كل شخصية انما هي ضحية، وبشكل اساسي ، لضآلة قدرة الظروف على تغيير دورة حياتها . ان الكتـّاب الطبيعيين وعلى رأسهم اميل زولا ، وسّعوا قيم الواقعية الى حدود ابعد للموضوعية في ملاحظاتهم ووصفهم للأنساق المختلفة . واذا كانت الحركة الواقعية في الأدب قد تطورت في فرنسا القرن التاسع عشر اولا ً ، فإنها سرعان ما اخذت تنتشر في انكلترة وروسيا والولايات المتحدة . وتتمثل الصورة المثلى للأدب الواقعي في الرواية إذ ظهرت روايات اعتبرت ، وعلى نطاق واسع ، من اعظم ما كُتب . لقد سعى الواقعيون الى سرد رواياتهم من منظور موضوعي غير متحيز مثـّل ببساطة ووضوح العناصر الحقيقية للقصة . لقد اضحوا اساتذة التصويرالسايكولوجي والوصف المفصـّل للحياة اليومية في محيط واقعي و استخدام الحوار الذي يتوفر على مصطلحات لغة الكلام الواقعي . وسعى الواقعيون الى ان يمثلوا بدقة الثقافة المعاصرة والناس من جميع مراتب الحياة الاجتماعية والاقتصادية . وهكذا توجهوا نحو موضوعات الصراع الاجتماعي ـ الاقتصادي بمقارنة ظروف الفقراء الحياتية بتلك التي يعيشها الذين ينتمون الى الطبقات العليا في مجتمعات المدن والمجتمعات الريفية . لقد كان بين الكتـّاب الواقعيين الرئيسيين في فرنسا كل من بلزاك وفلوبير واميل زولا وموباسان وغيرهم ‘ وفي روسيا كل من تورجنيف وديسويفسكي وليو تولستوي ، في حين كان جارلس ديكنز وجورج اليوت من اوائل المؤلفين الواقعيين في انكلترة ، وكان وليم دين هويلز اول كاتب واقعي في الولايات المتحدة . واكدت " الطبيعية " التي هي حركة ادبية تعتير فرعا ً من الواقعية ، تأكيدا ً شديداً على التمثيل الدقيق لتفاصيل الحياة المعاصرة. وكانت الرواية التي تؤكد على الخصوصية المحلية بشكل خاص فرعا ً من الواقعية في الولايات المتحدة . وتركت الواقعية تأثيرا ً عميقا ً على الدراما والنتاجات المسرحية فيما يخص التصميم والاعداد المسرحي والازياء واسلوب التمثيل والحوار . اما على المستوى الفكري فإن الواقعيين ــ وكما يدل اسمهم ــ يرون ان المادة حقيقية وليست مفهوما ً فكريا ً ، مختلفين مع المثاليين في ذلك . ويقسم الواقعيون الى ثلاثة معسكرات : الواقعيون الكلاسيكيون الذين يقتفون خطى اسلافهم وصولاً الى الفيلسوف اليوناني ارسطو ، والواقعيون الدينيون الذين يرجعون الى ارسطو ايضا ً ولكن عن طريق القديس توما الاكويني اولا ً ، ثم الواقعيون الطبيعيون . ان اتباع توما الاكويني يبنون معتقداتهم عن واقعية المادة على اساس الالهام كما جاء في تعاليم المسيح والانجيل وعقيدة الكنيسة المسيحية . اما الواقعيون الكلاسيكيون فيبنون تفكيرهم على افكار ارسطو ، في حين يبنيه الواقعيون الطبيعيون على الطبيعة . وبين الواقعيين الدينيين المهمين كل من ايتين غبسون وجاك مارتين ، في حين يقع بين الواقعيين الطبيعيين كل من جون لوك وفرانسيس بيكون وجون ستيوارت مل وجان جاك روسو الذين طبقوا نظريتهم على موضوعة تربية الشباب . ان الواقعيين الطبيعيين يقولون ان الانسان يتكون من عقل وروح ، وان الروح خالدة ، والغرض من وجود الانسان على الارض هو خدمة الله اولا ً وخدمة الانسان ثانيا ً. ولهذا السبب تتم رعاية القائمين بالمهام الكنيسية فضلا ً على اولئك الذين هم على علاقة بحقل التربية . وينكر الواقعيون الكلاسيكيون الخلّص ان الانسان روح وبدلا ً من ذلك يقولون ان عقل الانسان هو اساس اسمى الصفات المميزة وهو ما يميزه عن الحيوان . ويتقبل الواقعيون الطبيعيون فكرة الواقعيين الكلاسيكيين هذه ولكنهم يرون ان الانسان منظومة بايولوجية معقدة تتكون من نظام عصبي على درجة عالية من التطور، وليس غير ذلك . ويتقبل الواقعيون الكلاسيكيون بشكل عام مفهوم الارادة الحرة مثلما يفعل الواقعيون الدينيون الذين يرون ان الانسان معرض لأفعال الشر ولكنه يتجه نحو الخير بفضل العناية الالهية . وينكر الواقعيون الطبيعيون بصورة ثابتة تقريبا ً مفهوم الارادة الحرة ويميلون الى الرأي الذي يقول ان الانسان " مكيف " لعمل ما يقوم به . ويؤكد الواقعيون الكلاسيكيون على معرفة التفكير الكلاسيكي ، في حين يضيف الواقعي الدينى الى ذلك اهمية المفاهيم الدينية . وفي الجانب الآخر يؤكد الواقعي الطبيعي على اهمية العلم وينتقص في الوقت نفسه من اهمية القواعد الكلاسيكية وينكر الدين . وبلغة مصطلحات المناهج ، يؤكد الواقعيون الكلاسيكيون على تطور العقل . ويعتقد الواقعيون الدينيون ان المعرفة الدينية مهمة بقدر اهمية المعرفة غير الدينية ، لذلك يرون ان المنهج التربوي ينبغي ان يتضمن دراسة الانجيل واللاهوت وفكر كبار المفكرين الدينيين المسيحيين . اما الواقعيون الطبيعيون فإنهم يرون ان العلوم الطبيعية يجب ان تشكل جوهر المنهج التربوي .